14 سبتمبر, 2009
الاتصال الإنساني Communication يشير مفهوم الاتصال إلى العملية أو الطريقة التي بموجبها تنتقل الأفكار والمعلومات والخبرات بين الناس ،وتأخذ هذه العملية سياقات وأفاق متعددة ،تنضوي على طرق بدائية وبسيطة ،كالإشارة والرموز الصوتية وبعض الطقوس الدينية ولاجتماعية ،وبين ما هو تقني ومعقد، يتمثل باستخدام الأقمار الصناعية والإشارات الرقمية….وصولا إلى التفاعل عبر الانترنيت.
والاتصال يشكل محوراً أساسيا وحيوياً لوجود وتطور المجتمعات البشرية ، بوصفه يحمل معظم عمليات التفاعل الإنساني والتناقل المعرفي والحسي بين الأفراد والجماعات ،فالإنسان كائن اجتماعي فيه نزوع إلى الاتصال ببني جلدته ،وتأخذ هذه النزعة صفة ملازمة طيلة ما يهبه الله من رزق الحياة.
ويرتبط التفاعل والتكيف الإنساني في الاتصال إلى حد كبير بالإطار الدلالي أو اللغة المشتركة والتي تعد إحدى مقومات نجاح ذلك التفاعل ومن ثم نجاح عملية الاتصال برمتها ،على أساس ان التفاعل الاجتماعي يتضمن عناصر ومكونات ذا تنظيم بشري هي الأفراد والجماعات والمجتمعات ،وعمليات معرفية مختلفة كالإحساس والإدراك والتفكير،وما ينتج عن هذه العمليات من متغيرات وتعديلات في السلوك والاتجاهات والمواقف لغرض التكيف مع البيئة الاجتماعية وغالبا ًما يقترن هذا النشاط بسمات تأثير وتشويق تتضمن الجمال والفاعلية والوضوح ،بقصد المشاركة ، والتعبير عن المعاني لإيجاد فهم أفضل للبيئة الاجتماعية ،
فالفرد يمضي يومه متحدثاً،أو مستمعاً، أو قارئاً ..منتجاً ومستوردا للرموز فهو بهذا الفعل محاصر ومقحم تماما في كل مكان أو زمان بنشاط اتصالي ما وتتنوع طرق وأساليب الاتصال وفقا لظروف الجماعة كتوزيعها المكاني وحجمها وبنائها الاجتماعي بالإضافة إلى مستوياتها الحضارية والاقتصادية ،فضلا عما تكتنف العملية من مقاصد وأغراض وهكذا،حيث تتراوح هذه الطرق والأساليب من الإشارات الغامضة غير المحددة إلى القواعد المقننة ومن الكتابة التصويرية البدائية إلى فن الاختزال الدقيق للعلامات الرياضية الواضحة والمحددة ومن الصرخة التلقائية التي تنطلق بها القبائل البدائية والتي تحمل معنىً جمعي معين إلى الاصطلاحات العلمية المتداولة دقة وتفصيلاً.
هذه المعاني والاصطلاحات والإشارات (الرموز) تفهم ويتم تبادلها في نطاق أو نسق جماعي، أو اجتماعي مختلف في الحجم والفاعلية والكيفية تبعاً للسياقات التي تؤلف (المجال الاتصالي ) ومدى التقارب الرمزي فمثلما هناك اختلافات واستخدامات خاصة ومحددة لرموز الاتصال، فان هناك إجماع أو شيوع لبعض الأفكار التي تؤدي معنى معين .
ويختلف الأفراد كما الشعوب اختلافاً كبيرا من حيث قدرتهم على الاتصال من طبيعة الفرص السانحة أمامهم –القنوات – كما إن الفروق المعرفية (فجوة المعرفة )أيضا لها دور في تلك القدرة وهذه لها عناصر،كالمستوى الثقافي ،والاستعداد و والذكاء والمركز الاجتماعي والاقتصادي والمناخ الاتصالي ، اذاً هناك متغيرات تؤثر في مدى وكيفية المشاركة والتفاعل في إطار هذا المصطلح (الاتصال) ،
ففي مجال الإشارات مثلا نرى الممثل المدرب يفوق الشخص العادي من حيث القدرة على توصيل ما يريده إلى الناس،كما يتفوق الرسام التشكيلي على الآخرين بلغة الألوان وبقراءة الرموز البنائية للوحة أو الشكل الفني من حيث-التناسب اللوني والحجمي،والمساحات والتناظر تجسيد الموضوع،
كما يوجد تباين في مجالات الاستخدام اللفظي والقدرة الكلامية والاقناعية لدى الأديب والشاعر والخطيب إذ يتمتع هؤلاء بقدرة في التنوع اللغوي والبلاغي حيث يتحدثون وينسجون رسائلهم أملاً في التأثير.
ومفهوم الاتصال كما عرفه دان نومو (Dan Nimo ) بأنه ( عملية تفاعل اجتماعي يستخدمها الناس لبناء معانِ تشكل في عقولهم صوراً ذهنية للعالم ويتبادلون هذه الصور الذهنية عن طريق الرموز)
فيما عرفه أحد المختصين العرب على أنه ( العملية الاجتماعية التي يتم بمقتضاها تبادل المعلومات والآراء والأفكار في رموز دالة ،بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع وبين الثقافات المختلفة لتحقيق أهداف معينة ).
وتأسيسا على ما تضمنته التعريفات أعلاه فان النشاط الاتصالي بمفهومه العام عملية مستمرة تؤثر وتتحكم في مجرى الاستجابات المتعددة التي يطلقها الفرد تجاه المثيرات فان هذا التأثير والتحكم ينطوي تحت غرضيات متعددة ومسببات بعضها تتعلق بخصائص بناء الاتصال ، والآخر متعلق بالحاجة إلى التكيف الاجتماعي والدفاع عن الذات من خلال أبعاده الذاتية والشخصية.
خصائص الاتصال الإنساني :
من خلال مضامين التعريفات في أعلاه ،يمكن الإشارة إلى محددات وخصائص العملية الاتصالية بكونها نشاطا إنسانيا تفاعليًا بين الأفراد ،ومن هذه المحددات :
أولا/ عملية مستمرة :
العملية الاتصالية نشاط مستمر لا تتوقف أو يتجمد عند نقطة أو حالة أو واقع معين إنما تعتمد على مجمل العوامل الشخصية والثقافية والبيئية والتي بدورها توحّد الشخص مع الظرف أو الموقف تحت تسمية الموقف الاتصالي إذ إن انتقال المعلومات بين الأفراد سواء أكان هذا الفرد مستقبلاً أم مرسلاً خاضع إلى سلسلة طويلة من الخبرات والانطباعات والعوامل التي تتصل بمواقف أخرى أكثر تعقيداً ،
وبذلك فان عملية الاتصال لا تحدث من فراغ ،إنما هي تراكماً وانسجاماً وسياقات أخرى متصلة. هذا الاستمرار يعنى نشاطاً تفاعليا ًتراكمياً مسلسلاً بين عناصر المنظومة –مجمل التكوينات والعناصر- التي تشكل الفعل الاتصالي ،ومن خلال هذا النشاط تنمو وتتطور وتتغير مفاهيمه وسلوكياته نحو المثيرات والمواقف تبعا لسياقاته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ،ذلك إن النشاط الاتصالي مرتبط إلى حد كبير بالخلفيات ( ذكريات ،تجارب ،صور ذهنية، اتجاهات …الخ،ومرتبط بالوقائع والاعتقادات التي تضيف الى ذلك الهدف باعتبار إن الاتصال مجهود غرضي،جاه يقع ضمن إنشاء وصياغة المعاني بقصد الاشتراك بين طرفي عملية الاتصال ( المرسل والمستقبل) .
ثانياً / تفاعل اجتماعي
يشير مفهوم التفاعل إلى أي موقف يتبادل التأثير فيه شيئان أو أكثر ويتضمن نوعا من الاحتكاك والمبادلة بحيث يكون حافزا لردود فعل الطرف الآخر .
وبما إن الاتصال عملية اشتراك واندماج مقصودة بين الأفراد والجماعات فانه بذلك يرتبط عضوياً بمرجعياتهم الاجتماعية والسياسية ونسق بنائهم الثقافي والايكولوجي.
ويرى الكثير من الفلاسفة أمثال هوسرل ( Husserl ) وهيديجر ( Heiddeger ) على ان التفاعل هو جوهر الاتصال فعلى المستوى الذاتي يعطي الأفراد دلالات ومعاني وتفسيرات للرسائل ذاتياً قد يختلفوا عن الآخرين ذلك ان الفرد يتفاعل بشكل نشط مع المؤثرات البيئية والاجتماعية من خلال طبيعته السيكولوجية والاجتماعية وتراكم خبراته،
كما انه على النطاق الشخصي غالباً ما تحمل الموروثات والطبائع بعدا أساسيا في إضفاء طابع إيجابية الاتصال ويمكن الجزم من أن المجتمع الكوني لا يستطيع الحياة من دون الاتصال وبالمقابل فالاتصال لا يمكن أن يحدث الا داخل إطار أو نسق اجتماعي .
ثالثا / نظام من الرموز :
تشكل العلاقة الرمزية جوهر العملية الاتصالية وتقع قاسماً مشتركاً بين عناصرها والرمز هو ما يستخدم عمدا" ليحل محل الشيء أو معنى آخر .
والرمز ( Symbol ) حسب مفهوم وايت ( White ) هو شيء يكتسب قيمته أو معناه ممن يستخدمونه ، فالمعنى ليس أصيلا في الرمز إنما ينشأ معنى الرمز من التفاعل الإنساني ،كما يبقي عليه ويثريه وهو ما يسمى بالتفاعل الرمزي والذي يعد الشكل المثالي من التواصل المميز والملازم للحياة الاجتماعية وأداته في البقاء والاستمرار ، فضعف المشاركة الرمزية تجعل الفرد منعزلاً وغريباً وضعيفاً إلى حد كبير، وكذلك الترميز يعني (( العملية التي على وفقها يقوم الأفراد بتحويل الأفكار والمهارات والمفاهيم في أشكال مختزلة ،وبشكل عمدي أو تلقائي ،ليتم إدراكها ،ومن ثم تعديل السلوك في ضوئها أو القيام بنقلها إلى الآخرين))
من مقال للدكتور / كامل القيّم
أستاذ مادة الإعلام والاتصال /جامعة بابل-العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.